Pages

Thursday, March 1, 2012

التوفيق بين قوله تعالى (إلا من أكره ... ) وقوله صلى الله عليه وسلم دخل رجل النار في ذباب

فحين قرأت هذا الحديث: عن طارق بن شهاب: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب" قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: "مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجاوزه أحد حتى يقرِّب له شيئاً. قالوا لأحدهما: قَرِّب. قال: ليس عندي شيء أُقرِّب. قالوا: قرب ولو ذباباً. فقرَّب ذباباً فخلّوا سبيله فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب. قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئاً دون الله عز وجل فضربوا عنقه فدخل الجنة"(1). رواه أحمد.

أشكل علي الأمر، فكيف يدخل النار وهو مكره وقد قال الله عز وجل: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)
وكنت عازمة أن أسأل شيخي أبا عمر حول الموضوع لكنني بحثت فوجدت تعليقا خفيفا للشيخ صالح آل الشيخ حول الموضوع فأحببت أن أسوقه لكي تعم الفائدة، وأعوذ بالله من أن أتقدم بين يدي أستاذي ولكنني فرحت بهذه الفائدة فأحببت أن أنقلها.
***********************
يقول الشيخ حفظه الله: (وجه الدلالة من هذا الحديث أن التقريب للصنم بالذبح كان سببا لدخول النار، وذلك من حيث ظاهر المعنى أن من فعله كان مسلما، فدخل النار بسبب ما فعل، وهذا يدل على أن الذبح لغير الله شرك بالله جل وعلاـ، شرك أكبر، لأن ظاهر قوله: (دخل النار) يعني: استوجبها مع من يخلد فيها.
ووجه الدلالة أيضا أن تقريب هذا الذي لا قيمة له - وهو الذباب- يدل على أن من قَرب ما هو أبلغ وأعظم منفعة، وأعظم عند أهله، وأغلى أنه سبب أعظم لدخول النار، وقوله هنا: "قرب" يعني: اذبح تقربا، والحق هنا أنهم لم يكرهوهم بالفعل، فالحديث لم يدل على أنهم أكرهوا؛ لأنه قال: (مر رجلان على قوم لهم صنم، لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا) فظاهر قوله (لا يجوزه أحد) يعني: أنهم لا يأذنون لأحد بمجاوزته عن ذلك الطريق حتى يقرب، وهذا ليس إكراها، إذ يمكن أن يقول سأرجع من حيث أتيت، ولا يجوز ذلك الموضع، ويتخلص من ذلك.
وهذا يدل على أن الإكراه بالفعل لم يحصل من أولئك، فلا يدخل هذا في قوله: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا)؛ لأنه ليس في الحديث دلالة -كما هو ظاهر- على حصول الإكراه، وإنما قال:(مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجاوزه أحد حتى يقرِّب له شيئاً) (لا يجوزه أحد) دل هنا على عدم السماح، وعدم المجاوزة، هل هو أنه لا يجوزه حتى يقتل، أو يقرب، أو لا يجوزه حتى يقرب،أو يرجع؟
بعض العلماء استظهر من قوله في آخر الحديث، من قتلهم لأحد الرجلين أنه لا يجوزه حتى يقتل، وأن هذا علم بالسياق، فصار ذلك نوع إكراه؛ لهذا استشكلوا كون هذا الحديث دالا على أن من فعل هذا الفعل يدخل النار مع أنه مكره.

والجواب عن هذا الإشكال: أن هذا الحديث على هذا القول، وهو أنه حصل منهم الإكراه بالقتل أن هذا الحديث فيمن كان قبلنا، ورفع الإكراه أو جواز قول كلمة الكفر، أو عمل الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان، هذا خاص بهذه الأمة، هذا أجاب به بعض أهل العلم.

والثاني -وهو ما قدمت-: أن السياق ليس بمتعين على أنهم هددوه بالقتل، وإذا كان غير متعين أنهم هددوه بالقتل، فإنه لا يحمل على شيء مجمل لم يعين، ودلالة قوله هنا: (فضربوا عنقه) يعني: فيمن لم يقرب فدخل الجنة، ربما لأنه أهان صنمهم بقوله: (ما كنت أقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل) لهذا استشكل هذا الحديث طائفة من أهل العلم، وهو بحمد الله ليس فيه إشكال وهو ما أن يحمل على أنه كان فيمن قبلنا، فلا وجه -إذن- لدخول الإكراه، أو يحمل على أنهم لم يكرهوه حين أراد المجاوزة، ولكن قتلوه لأجل قوله (لم أكن لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل
تخريج الحديث 
ففي كثير من شروح الشيخ العالم العلامة الإمام محمد بن صالح بن عثيمين – رحمه الله تعالى – أنكر صحة حديث طارق بن شهاب : دخل رجل النار في ذباب .. الخ
وصرح بعدم صحته في شرحه على بلوغ المرام .. وقال في تعليقه على كتاب التوحيد كما في مجموع فتاواه ورسائله (9/176) : في الحديث علتان :
الأولى : أن طارق بن شهاب اتفقوا على أنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ، واختلفوا في صحبته ، والأكثرون على أنه صحابي .
لكن إذا قلنا : إنه صحابي ؛ فلا يضر عدم سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن مرسل الصحابي حجة ، وإن كان غير صحابي ؛ فإنه مرسل غير صحابي ، وهو من أقسام الضعيف .
الثانية : أن الحديث معنعن من قبل الأعمش ، وهو من المدلسين ، وهذه آفة في الحديث ؛ فالحديث في النفس منه شيء من أجل هاتين العلتين .
ثم للحديث عله ثالثة ، وهي أن الإمام أحمد رواه عن طارق عن سلمان موقوفا من قوله ، وكذا أبو نعيم وابن أبي شيبة ؛ فيحتمل أن سلمان أخذه عن بني إسرائيل . اهـ
منقول

No comments:

Post a Comment